أخبرني أكثر من شخص عن هذه القضية ..
وأعتقد بأننا كلنا نعانيها ..
يقول أحدهم مفضفضا لي : إنني اعز شخصا ما .. معزة كبيرة ..
أكن له حبا عميقا .. وأضمر له أحتراما عظيما .
ولكنه لا يبادلني نفس المشاعر .. بل لا يبادلني حتى نصف تلك المشاعر ولا حتى ربعها ..
ويكمل ..
الغريبة أنني حاولت جاهدا ان أنفض قلبي من هذا الحب .. وأغسله .. وأجففه .. ولكن لم أستطع الى ذلك سبيلا .
هو حبا عالقا .. مغروسا في قلبي .. لا يرضى أن يتحرك أو يتزحزح ..
أنتهى .. كلام الرجل ..
..
لا اظن بأن هناك من لم يعش .. ويعيش مثل هذه التجربة المشاعرية ..
قضية المشاعر قضية معقدة جدا .. بل هي من أعقد قضايا الإنسان ..
والقلوب البشرية قلوب غريبة عجيبة لا تخضع لقانون .. ولا ترتبط بمبدأ ولا تلتزم بنظرية .
هناك أناسا حولنا نكن لهم الحب والتقدير المفرط .. ولا يكنون لنا ولو جزءا يسيرا من مقدار ما نكنه لهم من القيمة والمعزة .. والحب ..
بل يعاملوننا بقسوة كبيرة في غالب الأحيان ..
هذا ما يسمى ” بعبث القلوب .. وسخف المشاعر ..”
وهناك من لا نحبهم .. ولا نلتفت لهم .. ونحن نعلم مقدار حبهم لنا .. وحجم عطفهم وتعاطفهم معنا ..
لماذا هذه الازدواجية في المشاعر ..؟
لماذا هذا التخبط في القلوب ..؟
لماذا هذه الفوضى والترنحات في الأفئدة …؟
ليس هناك آجابة دقيقة .. شافية على هذا التساؤلات ..
الإجابة صعبة جدا .. إن لم تكن مستحيلة .
القلوب ملك الرحمن .. هي بين أصابعه .. يقلبها كيف يشاء .. ومتى يشاء .
أنا .. وأنت .. وهو .. وهي .. وهم … ونحن .. لا نستطيع أن نحب من نشاء .. ونكره من نشاء ..
هناك أمر سماوي بالحب .. أو الكرهه .. أو البغض..
هناك ضغط رباني على القلب ..
هنا فرض إجباري على المشاعر .
أخبرني صديق .. يقول
تزوجت من زوجة جميلة جدا .. طيبة جدا .. مطيعة .. تحبني حبا جما .. كاملة الخصال .. وافرة السجايا في كل شيء …
وبعد سبع سنوات من زواجنا .. وبعد أن أثمر زواجنا أربعة من الأبناء الرائعين ..
أحببت فتاة كانت زميلتي في العمل ..
فتاة عادية جدا .. لا تملك جمال زوجتي .. ولا رشاقة جسدها .. ولا روعة قلبها .. ولا دماثة خلقها .. ولا عظمتها.
فقط .. أحببتها .. دونما سبب … وتعلقت بها .. وانجررت خلفها .. وتزوجتها .. وفقدت زوجتي الأولى .. وكسرت قلبها الجميل العظيم .. وهشمت فؤادها
ومازلت أحب هذه المرأة الثانية .. و متعلق بها .. رغم أنها لا تبادلني نفس المشاعر الجياشة التي أنكوي بها ليل نهار ..
ومازالت زوجتي الأولى تحبني ويلهج فؤداها بإسمي رغم بعدها عني .. وبعدي عنها !!
كم هي سخيفة هذه القلوب ..
كم هي حمقاء تلك المشاعر …!
أعتقد بأن هذه المشاعر التي نصطدم بها في طرقات الحياة هي أقدار مزروعة في طريقنا .. ولا مناص من الإصطدام بها .. والإرتطام بجدرانها وخرساناتها..
إنها أكشن الحياة المرير العذب .. الذي يمنح حياتنا طعمها الحارق .. ونكهتها اللاسعة ..
ليس هناك شيء يحدث في هذا الكون الهائل دون كتاب سماوي .. مكتوب منذ الأزل ..
إن ما أصابك لم يكن ليصيبك ..
إن ما أصابك من الحب والكراهيات .. من الإحترام .. والعدوات .. كلها نزلت في سلة مغلفة من السماء مسجلة بإسمك .. ولا يستلمها أحدا غيرك ..
كلا منا يستلم سلته السماوية المغلقة .. ويفتحها بنفسه .. ويعيش ما قدرته السماء له .. يذق حلاوتها .. ويتجرع مراراتها كاملة غير منقوصة .. جرعة جرعة .. حتى الجرعة الأخيرة .
إن المشاعر البشرية التي نصطدم بها خلال عمرنا القصير هي أرزاق محددة .. مكتوبة لنا ..
إنها تدخل ضمن بند الرزق .. وقائمة النصيب .
إن الزوجة والمال والبنون .. و الصحة والمرض … بالإضافة إلى مشاعر الحب والكراهية ..كلها مكاتيب سماوية .. كتبت في (جباهنا/جبيننا ) منذ الشهر الرابع من أعمارنا .. ونحن عوالق في أرحام أمهاتنا ..
وكما يقولون :
اللي انكتب على الجبين لازم تشوفه العين ..
فأرضوا بنصيبكم من الحب والمودات ..
وأحتملوا قسطكم من البغض والعداوات و الكراهيات .. وكل شيء سينتهي ..
هذا الوقت حتما سيمضي ..
ونحن ومشاعرنا
سنختفي عاجلا أم آجلا .. وسنضحى ذكرى لمن خلفنا ..
ولنكن ذكرى جميلة .. وخفيفة .. ورائعة.
عبدالله الفارسي