تحضير الأرواح هل هو وهم وتلاعب بعقول الحاضرين من حيث الحركة والصوت والفعل ، أي بمعنى اخر هل هو عرض يشبه عروض السرك في تأديه دور الشخصية أم هو عرض مسرحي يشبه التقمص للشخصية المستحضرة ، أم ياترى تحدث سيطرة خارجية على الشخصية التي تؤدي تراتيل الاستحضار ، فتتحكم بها كيف تشاء ، وهنا نستطيع أن نسميه وقوع مس من الجن على تلك الشخصية وليست في الحقيقة حضور الروح ، ما يجعلني في دوامة من التفكير الغير متزن في الوصول إلى المشهد الحقيقي لما أرى في تحضير الأرواح والازدواجية التي تحصل مع شخص إلى اخر تختلف كليا ، فهناك اشخاص سألتهم اثناء بحثي وتجوالي بين هذه الجموع في جلساتهم للوصول إلى شيء مقنع لو بالقليل ، واجابوني بأنهم لا يدركون أي شيء يحصل فور دخول الروح المستدعاه إلى جسدهم ، وعندما يفيقون من تلك الروح ، يشعرون بتعب او نشوة او صداع او ثقل في الجسم ، بينما البعض الاخر يقول انا أرى واسمع كل شيء يدور حولي حتى إني أدرك ما افعل لكن وفق ما تريد الروح ، علما إنني اشعر بأن في جسدي قوة لا مثيل لها وكأني استطيع حمل جميع الموجودين بالمكان بيد واحدة ، او اقتلاع سدرة الزار من عروقها او هدم البيت بكل بساطة ، هنا وفي هذا الوصف وذاك ادرك بأن هناك فرق بين الوصف الأول والوصف الثاني في دخول الروح المستحضرة لجسد المستحضر كما يقولون .
فقدان الوعي وعدمة ، يندرج تحت أمرين مهمين ، الأولى سيطرة الروح المستحضرة على جسد وعقل المستحضر بالكامل ، والثانية هي فقط إمداد المستحضر ببعض الشعور الذي يجعل منه يتقبل مرور الروح عليه ويتابع حضور جلسات استدعاء الأرواح ، وهذا يعني إن الشخصية الثانية هذه ما تزال في أول مشوارها بطريق الاستحضار او إنها لم يتم الموافقة عليها لتنظم إلى قافلة الأتباع لهذا النوع من الممارسات ، فشيخ الجن لم يعطي الأذن لهذا الشخص بالدخول في المجموعة ولذلك هو تحت الدراسة ، ما يجعلني في قمة الإستغراب والتصديق احيانا بأن فعلا هناك أرواح تدخل وتسيطر على هذه الاجساد في الفعل والحركة والقول ، هو ما اشاهده من بعض المستحضرين حين يأخذ قطعة من الجمر فيضعها في فمه ويمسك عليها بأسنانه دون أن يتأثر بشيء ، حتى إني لا ارى بعض من الدخان يخرج بين الجمرة والأسنان ليدل على احتراق السن ، وهناك نموذج اخر منهم من يطعن نفسه بسكين او سيف ليدخل في بطنه ويخرج من الجانب الاخر ، دون ان ينزف قطرة دم ، وفور ما يخرج السكين او السيف بيديه لا ترى للجرح مكان ، فتكذب ما حصل أمامك وتعرك عينيك مرارا وتكرارا وكأنك لا تصدق ما حصل حقيقة أم تلاعب بالابصار ، يشبه وقوع الفعل عليك في المشاهدة بين التصديق وعدمة ، كما لو كنت ترقد على شازلونج أمام دكتور نفساني فيحصل تنويم مغناطيسي لك ، ليصبح بعد ذلك المتحكم الحقيقي لك ولأفعالك واقوالك ذاك الدكتور النفسي ، وحين تفيق لا تذكر شيئا مما حدث ، سوى إنك كنت في نوم عميق مع الشعور بالصداع او الإرهاق ، ووجه التشابة البسيط بين استحضار الأرواح وبين الدكتور النفساني ، هي غياب الوعي والسيطرة المطلقة على الجسد في القول والفعل والحركة .
عالم غريب من الغيبيات التي لا يستطيع حتى الممارس لها أن يعرف كيف هي ومن أين ولماذا ، حتى المستحضر تجده غارق في الاسئلة دون اجابات ، بين مصدق وناكر ، لقد سألت احدهم هل أنت مقتنع فعلا إن هناك روح تدخل على جسدك من غير الروح التي وهبها الله لك ؟ ، فكان رده .. والله ما اعرف ، فسألته مرة اخرى .. اذا كنت لا تعرف وغير مقتنع بهذه الأفعال لماذا تحضر لمثل هذه الممارسات ، فيجيب وهو يبتسم .. تضييع وقت وتسلية وترويح .. ياأخي ملل .. نجي نسلي عمارنا شويه ونضرب هذه الروقه ، رد يدل على إن حتى الممارس لهذه الاطقس من تحضير الأرواح هو نفسه لا يعرف اذا كان على صواب وفي الطريق الصحيح أم لا ، وهنا استنتج شيئا مهماً ، وهو أن جميع الممارسين من الحاضرين لطقوس استحضار الأرواح يأتون فقط لانهم يحصلون على النشوة والقوة اثناء تأدية تلك الحركات بين ذهاب وإياب والتي تشبه بعض الرقصات الشعبية ، مثل المنتشي المتعاطي للمخدرات ، هنا اعتقد إننا نتحدث عن المسرح العبثي ، فكل ما يحصل مجرد لعبة يؤديها مجموعة من الرجال والنساء او الرجال وحدهم او النساء وحدهم في جوقة مع إيقاع تناغمي للموسيقى والحركة في وجود جو مشحون من التراتيل ودخون اللبان ، فيرهقون اجسادهم ثم يسقطون بعد استنزاف طاقاتهم . لا اريد ان ادخل في الجانب الديني ومسألة تحريم وعدم إمكانية دخول الجن في جسد الإنس لانهما خلقوا من عنصرين مختلفين وغيرها من المعارضات ، لكن هل من الممكن أن يسيطر الجن على الإنس في الاستحضار من خارج الجسد دون الولوج فيه ، بعض العلماء قالوا نعم وهذا الأصح في الاستنتاج بينما البعض لم يتفق معهم ابدا وقال العكس .
لنأتي إلى حانب اخر مشابه لما سبق وطرحته لكنه يختلف بعض الشيء بأن الروح هذه المرة التي تستدعي الغير هي روح الشخص نفسه وليست روح دخيله على جسد اخر ، بعض الاشخاص الذين ماتوا ودفنوا ما زالوا يرسلون رسائل لاحيائهم من العائلة على صيغة رؤية منامية ، كانت رسائل نعيم أو جحيم أو استغاثة ، فهناك امرأة توفاها الله منذ فترة ، وعندما دفنت بالقرب منها ميته اخرى ، اخذت ترسل رسائل روحيه إلى أبيها في المنام ، وتطلب منه تغيير قبرها إلى مكان اخر لانه المدفونه بالقرب منها تعذب وهي منزعجه من شدة وهول ما يقع عليها من عذاب ولا تستطيع ان ترقد بسلام تام في قبرها ، وما كان للأب إلا ان طلب من السلطات بعد عدة رؤى ان يحفر قبر ابنته وينقل جثمانها إلى قبر اخر ، والغريب في الأمر عندما فتح القبر واستخرجت الجثة وجدت كما لو إنها دفنت الآن لم تتعفن ولم تتضرر رغم مرور الايام عليها ، ورائحتها زكية والعينان مفتوحتان ، وكأنها كانت تشاهد شيئا .
وبالمقابل في احدى الدول صدر أمر بنقل رفات مقبرة قديمة جدا إلى مكان اخر ، وحين بدأ العمال في نبش القبور وجدو في احداها شاب لم يحصل لجثته اي تحلل او ضرر رغم مرور السنين والاعوام على دفنه ، وعند البحث عن عائلته من خلال السجلات وارقام الوفيات بالمقبرة ، اتضح انه كان يرسل رسائل لأمة منذ سنين في المنام بأنه في نعيم تام .
كلنا نعلم بأن الروح تخرج من الجسد وتصعد لخالقها عند الوفاة ، ولا ترجع إلى عندما يأمر الله تعالى الملك اسرافيل بأن ينفخ النفخة الاولى نفخة الفزع والنفخة الثانية نفخة بعث الروح إلى الاجساد ، فكيف تأتي هذه الرؤى للاحياء برسالات من الموتى وتكون حقيقية ؟!! ، هل هي فعلا ترسلها روح الميت ؟!! ، عالم الأرواح عالم غريب وعجيب لم يستطع حتى الآن احدا أن يفك معجمه وطلسمه ، وربما ما نراه ونسمعه بالشيء اليسير من الذي يحصل في ذلك العالم ، فهو كما يسمى عالم الغيبيات .
يعقوب بن راشد بن سالم السعدي