أن أستيقظ صباحاً مستمعاً لزقزات العصافير وهي واقفة تنقر على زجاج نافذتي لهو شروق صباحٍ رائع، ولكن أن أجد تلك الصّورة وقد تداخلت مع إرهاصاتي الصّباحية لهو واقعٌ أليم، هنا أفتح عينايا وأنا مُقبلٌ على إشراقات صباحية رائعة رغم هذا الشعور المؤلم الكائن بي وهذا الإحساس الشديد بالوحدة والفقدان الذي يعتريني وأنا أقابل هذه الإضاءات الصباحية، تغدقني النّسمات الباردة السّاقطة من على وجهي وكأنّها أمواج تداعب حبيبات من رمل الشواطئ المتلبّد ببرودة الضباب في صبيحات مواسم الخريف، هي إشراقات جميلة ترغمني في أنْ لا أقاومها وهي تُميط عنّي أحلامي المسائية التي لا زالت تخلد سكينتي اللّيلية، إشراقات لا تزيدني سوى الشّعور بأنّني بتّ في كلّ أيّامي معك أسير وحيداً وأنا أتّبع كل الإشارات التي تأتٍيَـني من نورك، أسير كَكلّ تلك المرات عندما يهيم قلبي إليك، فأشعر بخطواتي وأراها تتّجه بخطاها مصوّبة إليك وكأنّني على علمٍ بأنّ عليّ أن أعبر وأتخطى صِعاب الطرق بيننا، وكثيراً كان علي أن أمشى وفي داخلي كان يعتريني الويل من ذلك الألم والشقاق في جسمي، فأنت هناك دائماً كأنك الزهرة الوحيدة اليانعة في كل شبرٍ من هذا البستان الذي يحيط بي، وما هذا المشاق في مسيري إليك سوى أشواك تقع قدماي عليها، وكل هذا السّواد وهذه العتمة الجائرة في طريقي هما ليسا سوى حجارة حادة وجارحة تؤذي قدماي، ولكن أحبّ أن تعلم بأنّني بخير، أحبّ أن تعرف بأنّه لا عليك من كلّ ما يصيبني من أيّ سوءٍ وألمٍ يقع في مسيري وطريقي إليك، نعم عليك أن تعلم علم اليقين بأنّ كلّ تلك الموانع والحواجز في معبري إليك ستجلب لي السعادة حتماً، عليك أن تعلم بأنّني على يقين وإيمان بأنّي وخطواتي قريبان جدّاً من الوصول إليك، نعم وإنّي أدعوك بألاّ تخف عليّ ومن أمري فقد أصبح عبوري الدّائم في هذا المسار الصّعب وأنا أبتغي وصْلك في كلّ لحظاتي الصّباحية هو شغف قلبي الدائم، ولكن عليك فقط أن تكشف السّتار عن سرّك وخفاياك،نعم تلك هي لحظاتي الصباحية المشرقة التي لن تكتمل دون أن أسألك سؤالاً قد بات يتكرّر دائما في معظم يومياتي الصباحية؛ أخبرني وأجبني لماذا دائما يتوجب عليّ تخطي كلّ هذا الصّعاب والمشاق كي أمدّ إليك كلتا اليدان وهنّ تنتظرانك في تلك الضفة المجاورة في كل مرة أتوق إلى أنفاسك؟ هل يسعدك ويسرّك أن أكون بعيداً عنك في هكذا خراب وأنت ناظرٌ إلي واقفاً هناك عالياً دون أيّ كلمة ودّ تبهجني؟..
.
وعندما أراك هناك بعيداً،
خاطبت طيفك..
أنا لم أجِدُك هناك،
ولستُ أشتمّ عطرك هنا..
والأزهارَ الحمراء حزينةً هناك..
هنا كنت تعطّر قلبي كجُرعة دواء..
لم تعد تضمّ يداي كما كنّا هناك..
وهنا لن تكون حاضراً معي..
لن تسهر معي في ليلي حتّى الصبّاح..
وصلتَ وحيداً إلى الطريق هناك،
أنت ذهبت دوني بلا وداع..
هي عُد ولو للحظاتٍ قليلة..
عد وقل لي وداعاً،
فما زلتُ أنا هنا وأنت هناك..
عُدْ إليّ من هناك،
فأنفاسك تنتظرك معي هُنا،
وأعِد لي قلبي مِنْ هُـناك..
فؤاد البوسعيدي