في ظل أجواء ومناخات معاهدات السلام – الاستسلام – والتطبيع بين بعض الأعراب والكيان الصهيوني، وتحت وطأة السؤال الملح الذي يخالج الجميع: لماذا وصلت الأحوال العربية إلى هذه المواصيل؟!
الجامعة العربية تتخلى عن فلسطين والشعب الفلسطيني، والأنظمة الرسمية العربية في معظمها تطعن الشعب الفلسطيني وقضيته في الظهر، والقادم حسب المؤشرات أسوأ، وفي ظل التطورات الدراماتيكية في المشهد السياسي العربي، نعود اليوم وبعد نحو سبعة عشر عامًا من الحروب العدوانية على العراق وسوريا والمنطقة لنستحضر ثلاث وثائق استراتيجية اعتمدتها الإدارات الأمريكية-الصهيونية في حروبها المستمرة على الأمة والمنطقة بهدف تدميرها وتفكيكها، بل يمكن القول إنها ما تزال تشكل الأجندة الحقيقية لذلك التحالف العدواني.
فهذا الذي جرى ويجري من حروب عدوانية ومن خراب وتخريب وتدمير وتفكيك في بلاد العرب، من فلسطين إلى العراق إلى ليبيا إلى سوريا إلى السودان إلى اليمن والحبل على الجرار، مقروء منذ سنوات، بل وأبعد من ذلك ف: “كل الأحداث في المنطقة تجري وفق الأجندة الإسرائيلية إذا لم يستفق العرب ويتداركوا الأحداث- كما قال المفكر والمحلل العربي الكبير محمد حسنين هيكل منذ مطلع الثمانينيات”.
وفي هذا السياق، كان عمرو موسى تحدث في لحظات ناصرية كأمين للبيت العربي قبل أن يتحول للاتجاه الآخر- عن مخططات شيطانية لتفتيت الأمة، قائلًا: المشهد العربي وصل إلى أسوأ حالاته، بعد أن كان فتح واحدًا من اهم وأخطر الملفات المتعلقة ب”الأحوال العربية” وب”الأيادي الشريرة الخفية التي تعبث بالأمن العربي”، وب”تفكيك العراق وضياع هويتة العربية”، حينما أعلن في لقاء أجرته معه فضائية “دريم” المصرية: “إن مشروع الشرق الاوسط سطو مسلح على دولنا وحضارتنا وتراثنا”، و”أن إسرائيل لم تكن لتتوغل في سياستها وجرائمها لو لم تكن تتمتع بحصانة دولية وحماية غربية”. وقد وصل هذا السطو المسلح إلى أقصى درجات العربدة المطلقة على بلادنا وأوطاننا في عهد الرئيس الأمريكي السابق بوش، واستمر في عهد الرئيس أوباما، لينتقل ويصل إلى ذروة جديدة في عهد الإدارة الامريكية الجديدة برئاسة ترامب.
لقد خلعوا الأقنعة تمامًا، وهناك كم هائل متوافر من الوثائق والخرائط الاميركية – الصهيونية المبيتة الرامية إلى ضرب وتفكيك وتدجين الأمة العربية بدولها وقياداتها وشعوبها من محيطها إلى خليجها.. فكافة الأوراق غدت مقروءة.. إلا لتلك الجوقة من الراقصين على أنقاض فلسطين والعراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا، التي لم تعد ترى المشهد؛ إلا من خلال فوهة مصالحها وخياناتها.. ولم تعد تنظر للأوضاع؛ إلا من المنظار الأميركي – الإسرائيلي إلى حد كبير.
وعن تلك المخططات الشيطانية والنوايا والأهداف التفكيكية الأمريكية –الصهيونية التي تخرج في هذه الأيام سافرة إلى العلن، تحدثت ثلاث وثائق أميركية – صهيونية؛ نستحضر أهم ما جاء فيها لمن يريد أن يرى ويعتبر:
أ – الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة العربية: ففي عام 1982 نشرت مجلة كيفونيم العربية التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية؛ وثيقة أعدت لتفتيت الأمة العربية جاء فيها: “إن تفتيت مصر إلى أقاليم جغرافية منفصلة هو هدف إسرائيلي على جبهتها الغربية، كما أن تفتيت لبنان وسوريا إلى أقاليم قومية ودينية وطائفية منفصلة عن بعضها البعض هو هدف إسرائيل الرسمي في الجبهة الشرقية”؛ غير أن الوثيقة شددت من جهة أخرى على “أن تفتيت العراق أهم بكثير في المدى القريب”.
ب – مخطط تشيني الرهيب: ولعل ذلك “المخطط الرهيب” الذي أعده ديك تشيني نائب الرئىس الأميركي بوش يعزز المضامين الواردة في الوثيقة الصهيونية أعلاه، حيث كشف مايكل أوهلان خبير الشؤون العسكرية والاستراتيجية في “معهد بروكينجز”عن تفاصيل وأبعاد المخطط وعلاقته بالدولة الصهيونية والحروب المعدة سلفًا لصالحها ضد العراق وسوريا والعرب مشيرًا إلى: “تطورات وتغيرات طرأت على مكتب نائب الرئيس الأميركي؛ تدل على تقاربه الشديد من حكومة شارون-في حينه-، حيث انتقل ديفيد ويرمز من مكتب جون بولتون رجل العداء الأول لعدالة القضية الفلسطينية ورأس الحملة الشرسة التي شنت وما تزال تشن على سوريا، إلى دائرة مستشاري نائب رئيس الامن القومي الضيقة.. “ويرمز” هو أحد محرري وثيقة “الكسر النظيف” التي شكلت أرضية لمبدأ “القرن الأميركي الجديد” للإجهاز على المنطقة وفرض السلام الإسرائيلي على أرضية ميزان القوى المختل لصالح إسرائىل بشكل كبير، وضرب المقاومة الفلسطينية من خلال اقحامها كجزء في حرب الولايات المتحدة على الإرهاب العالمي، إلى جانب ضرب وغزو واحتلال العراق.
ج – خريطة طريق خاصة بسوريا: وقد أعدت الإدارة الأميركية خريطة طريق خاصة بسوريا، في حين قدمت الحكومة الإسرائيلية لها “لائحة كاملة بالمطالب والأهداف المتعلقة بسوريا”، وأكد تقرير أميركي “أن صقور الإدارة الأميركية وأصدقاء إسرائيل خططوا لتنفيذ خريطة طريق، تهدف إلى إحكام الحصار وتضييق الخناق على سوريا ومحاصرتها اقتصاديًا وتكنولوجيًا وصولًا إلى فرض الشروط الإسرائيلية المتعلقة بالتسوية عليها”؛ فلم تكذب الأحداث والوقائع خبرًا أو وثيقة من الوثائق المشار إليها أو غيرها، فحصل العدوان على العراق وتم غزوه، بينما يواصل بلدوزر الإرهاب الصهيوني حربه العدوانية التدميرية الاقتلاعية التركيعية الشاملة على الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي جندت فيه الإدارة الأمريكية واللوبيات الصهيونية جيوشًا من المرتزقة؛ من أكثر من مئة دولة في العالم لغزو وتدمير سوريا، وكل ذلك يأتي بالتناغم والتساوق مع “الوثيقة الصهيونية” ومع “مخطط تشيني- الكسر النظيف”، وهناك غيرها الكثير من الوثائق والمخططات الشيطانية.
ونتساءل: ألا يقرأ العرب من كتاب ومثقفين وأكاديميين وسياسيين؛ من أولئك الذين اصطفوا وراء تلك المخططات الشيطانية مثل هذه الوثائق؟! ألا يعتبرون مما جرى ويجري على امتداد الأمة؟! ألا يراجعون حساباتهم وأولوياتهم…؟!
نواف الزرو- كاتب صحفي وباحث خبير في شؤون الصراع العربي – الصهيوني