بعد تشكيل كل حكومة، يطل حسن نصرالله من مخبئه المجهول عبر الشاشة، ليقول بأن هذه حكومة القوى السياسية، او التوافق الوطني، وليست حكومته. هذا ما قاله عن حكومة حسّان دياب التي لطالما امتدح نصرالله رئيسها وأشاد بدورهما حتى سقطت تحت ركام انفجار مرفأ بيروت جراء تخزين نيترات الأمونيوم المجهولة الأبوين والحسب والنسب ولسنوات طويلة.
هذا ما أنكره على حكومة سعد الحريري السابقة لحكومة دياب، والتي عطّل نصرالله تشكيلها عدة أشهر، حتى خضع الحريري ووزّر فيها ممثلا عن اللقاء التشاوري السني.
أما عن حكومة مصطفى أديب فسيقول نصرالله بعد تشكيلها، انها أيضا ليست حكومة حزب الله، مع عدم إغفال إهماله ورقة “اللقاء التشاوري السني” التي وكأنها تستخدم لمرة واحدة ثم ترمى.
والحقيقة أن نصرالله بنفيه أن تكون هذه الحكومات حكوماته، إنما يموّه الحقيقة المرّة التي يقولها سلوك نصرالله قبل لسانه، بأن لا حكومة تبصر النور في لبنان إلا بمشيئته وموافقته الحصرية التي تجيز وتسمح بتوقيع مراسيم تشكيلها الدستورية.
انها المشيئة والموافقة الحصرية، التي جوّفت حكومة مصطفى أديب المكونة من كفاءات متخصصة بعيدة عن التيارات والقوى السياسية والمعتمدة على المداورة الشاملة في توزيع الحقائب الوزارية ضمانا للإنتاجية، وتحريرا للوزراء من تأثيرات وضغوطات القوى التي سمّتهم في الحكومة.
وهي المشيئة الحزبلاهية التي اصطدمت بها حكومة مصطفى أديب لصاحبها ايمانويل ماكرون، الذي وجد كل رأسماله السياسي، الذي وضعه على طاولة القوى السياسية اللبنانية، في مهب الريح. والذي وجد نفسه أيضا بين حجري الرحى الأميركي الإيراني المتطاحنين في جمهورية الأشلاء اللبنانية، حتى تجرّع سعد الحريري مع السمّ، ما وصفه بالانتحار السياسي وقدّم ما تبقى من رصيده لإنقاذ ماء وجه ماكرون المهروق من قبل حزب الله ذراع ايران التي قال ظريف خارجيتها ان تشكيل الحكومة اللبنانية ليست ضمن أولويات الاجندة الإيرانية.
رغم هذا، وبعدما تسلّم المكلف تشكيل الحكومة من خليلي نبيه بري وحسن نصرالله لائحة أسماء يختار من بينها الوزراء الشيعة وليس فقط وزير المالية، سيقول نصرالله بأن هذه الحكومة ليست حكومة حزب الله.
والحقيقة أن نصرالله وحزبه تمرسوا في صناعة النفوذ وقضم مفاصل القرار وابتلاع مؤسّسات الدولة تدريجيا، حتى توصلوا الى التفرّد في اختيار رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة عند اللزوم، وذلك بفضل فائض القوّة والتلويح بها، واستخدامها عند اللزوم. لكن الى متى يستمر الحزب في إدارة الدولة عبر وكلاء يعينهم في مفاصل القرار العليا والسفلى؟.
هذا السؤال يقف خلف الهواجس الكبيرة التي يعبر عنها البطريرك الماروني المطالب بحياد لبنان، والرافض للمثالثة كبديل عن المناصفة التي أقرها الطائف. وهي المثالثة التي أعلن صهر العهد القوي جبران باسيل رفضها، سيّما وأنها تعني إضافة لحصول حزب الله على توقيع دستوري مواز لتوقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، تجحيظ المسيحيين كأقلية عددية تستدعي من طرف الثنائي الشيعي بحسب ما أفصحت عنه بيئته الافتراضية على المواقع التواصلية، إعادة النظر بطائفية كل الرؤساء والوظائف الأولى.
ان تطويب وزارة المالية وحصرها بالطائفة الشيعية، أحد ملامح المثالثة التي أعلن حتى وكيل نصرالله في قصر بعبدا رفضها. ومن هنا برز ما سمّي بتمايز رئيس الجمهورية وحزبه النصف حاكم عن حزب الله، وتحت سياط الضغط المزدوج: المثالثة التي هي في الأساس مطلب إيراني سبق وعرضه وزير خارجية ايران السابق منوشهر متكي من جهة، والعقوبات الأميركية المتصاعدة من جهة أخرى.
وفي سياق الاشتباك الأميركي الإيراني في المنطقة، يحاول الرئيس الفرنسي إحداث ثغرة في الجدار اللبناني تسمح بالحفاظ على ما تبقى من النفوذ التقليدي الفرنسي في لبنان. في ظل تباعد ملحوظ بين الاميركيين والفرنسيين.
ففيما يحاول الفرنسيون وكما أفصحت لقاءات ماكرون اللبنانية في اطار خارطة الطريق لحكومة انقاذية، إرساء وجودهم ونفوذهم عبر نظريتهم القائمة على التمييز بين الجناح السياسي والعسكري لحزب الله. تلح الاستراتيجية الأميركية في مطلبها من الأوروبيين بتصنيف كل حزب الله كمنظمة إرهابية من جهة، وتقرّر بشكل بارز للعيان عدم الفصل او التمييز بين حزب الله وحلفائه في لبنان من جهة أخرى.
انها الاستراتيجية التي تلقت جرعة دعم قوية من عاهل السعودية الملك سلمان خلال كلمته الى الأمم المتحدة والتي رأى فيها “أن انفجار مرفأ بيروت جاء نتيجة هيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على صنع القرار في لبنان بقوة السلاح، داعيا لنزع سلاح حزب الله لتأمين الأمن والرخاء والاستقرار”.
وبين التمييز والفصل الفرنسي المرتكز على التعاون مع ايران، وعدم التمييز والفصل الأميركي المرتكز على العقوبات ضد ايران وأذرعتها، تبدو زوايا حلبة الصراع حيث يتأرجح مصير لبنان واللبنانيين بين حرائق التلحيم المتوالية في مرفأ بيروت والانفجارات الغامضة كالتي شهدها الجنوب منذ ايام، وبين من يتجرع السم هنا، ووكيل حزب الله الذي يقودهم الى جهنم هناك.
علي شندب