هنا في وطننا العزيز أمكنة تأسرك بتفردها الجمالي ونقاءها الطبيعي وهدوءها الرومانسي، وطقسها المثالي، ولذلك فهي تفرض عليك نفسها لزيارتها باستمرار، منادية إياك بين الحينة والأخرى هيت لك..
ومن هذه الأمكنة الرائعة التي نتردد عليها مراراً وتكراراً جبل السراة الذي يمَّنا وجهتنا إلى قمته الشامخة عصر يوم السبت الموافق ٢٦ سبتمبر ٢٠٢٠ م، هرباً من ضائقة كرونا التي أرهقتنا قلقاً حتى النخاع..
وجبل السراة هو امتداد لسلسلة جبال الحجر الغربي، ويرتبط بجبل شمس الشهير، ويتبع من حيث التقسيم الإداري ولاية عبري رغم قربه من ولاية الحمراء الأمر الذي نأمل من حكومتنا العمل على مراجعة ودراسة التقسيمات الإدارية للقرى والمناطق وإعادة توزيعها على المركز الإداري الأقرب إليها، تسهيلاً للقاطنين في تلك القرى والمناطق على قضاء مطالبهم واحتياجاتهم الإدارية من الولاية الأقرب منهم، كما يسهل تقديم الخدمات التنموية والإدارية، ويقلل من هدر الإمكانيات ..
آملاً أن لا تؤخذ وجهة نظري هذه بتحسس أو سوء فهم، كما هو الحال عند طرح هكذا وجهات نظر حول التقسيمات الإدارية للولايات والمناطق والقرى، فالجميع ينضوي تحت مسمى عمان، وربما تكون الحاجة داعية حتى إلى خفض عدد المحافظات الموجودة بالسلطنة من خلال دمج بعض المحافظات ببعضها الآخر، أسوة بما حدث مؤخراً من دمج العديد من الوزارات والهيئات الحكومية ..
ارتقينا جبل السراة عبر ذلك الطريق المتعرج المعبد أوله، والوعر جانبه الآخر، يراه الناظر كأفعى ملتوية، وسط تلك الكتلة الصخرية المزدانة بأشجار البوت والعتم والطلح والعلعلان.. وغيرها من الأشجار والنباتات البرية الأخرى، مع وجود تجمعات سكانية صغيرة يعمل معظم أهلها في الزراعة وتربية خلايا النحل والثروة الحيوانية، وصناعة المنسوجات والمشغولات اليدوية، إلى جانب عمل البعض منهم في القطاعين العام والخاص..
اكتسى الجبل حلة خضراء قشيبة بفعل كمية الأمطار الغزيرة التي هطلت في الآونة الأخيرة على المنطقة.. إلا أنه لا يوجد حتى الآن استثمار ذكي لمثل هذه الأمكنة، أكان ذلك في المجال الزراعي من خلال استزراع المحاصيل المناسبة لمناخها وخصوصية أراضيها، وكذلك على المستوى السياحي، بسبب عدم توفر الخدمات الأساسية الجاذبة للسياحة، إلا من بعض الاجتهادات الفردية، وهنا يجدر بذوي الاختصاص الرسمي لدراسة أوجه الاستفادة من هذه الأماكن المتفردة، ووضع خطة متكاملة لاستثمارها الاستثمار الأمثل ..
وصلنا منتجع شروق الشمس الذي حجزنا فيه مكان إقامتنا ومبيتنا، وهو مكان جميل يمتاز باتساع مساحاته، وتنوع مرافقه،ونظافته، وتعدد خيارات المسكن فيه بين الخيمة والغرفة الاسمنتية والجلسات الخارجية المعروشة، ووجود لمسات إبداعية في التصميم، لا سيما في الواجهة الأمامية التي صممت كحصن عماني، ولا تزال قيد الإنشاء حتى الآن ..
فتحية تقدير واحترام لصاحب هذا المشروع الذي لم نتشرف بلقياه، إلا أننا لمسنا من معايشتنا للواقع علو همة صاحبه، وعزمه على مواجهة التحديات والعقبات التي لا بد أن تواجه مثل هذا المشروع الكبير الذي لا يزال بحاجة إلى الكثير من الجهود والتضحيات لتوفير كل ما يحتاجه الزائر من مرافق ترفيهية ورياضية..
أمضينا في هذا المنتجع وقتنا الذي امتد من عصر يوم السبت إلى عصر يوم الأحد عايشنا خلاله غروب شمس يوم وإشراقة شمس يوم آخر بكل ما تحمله تلك اللحظات من هيبة وجمال وخشوع لقدرة الله في تعاقب الليل والنهار، كما سامرنا النجوم الوضاءة في سماء جبل السراة الصافية، في ليلة قمرية باردة ..
تخلل رحلتنا جولة استطلاعية في ربوع الجبل للاستمتاع بمشاهدة تضاريسه وأشجاره ونباتاته البرية، مع إطلالة على المدرسة التعليمية المختلطة التي أنشأت بشكل هندسي بديع لتحل محل المدرسة القديمة المتهالكة، بالإضافة إلى ممارسة رياضة المشي التي نستمسك بها في هذا العمر بعدما بدأ العظم يوهن شيئاً فشيئا، وأخذ الرأس يشتعل شيبا، فوادعنا رياضة التوفه التي أشبعناها هرولة وضرباً وركلا ..
أزف وقت الرحلة وحان موعد العودة فشددنا الرحال والأمتعة واستوينا على ظهور المطايا المعاصرة التي زمجرت محركاتها اليابانية والإمريكية التصنيع تأهباً للهبوط وموادعة هذا المكان الذي سكبنا فيه بعض متاعب وأعباء وقلق هذه الحياة المرهقة، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
مسهريات يكتبها ناصر بن مسهر العلوي