يعد الواتس اب من بين أهم الوسائل التفاعلية الأولى حول العالم، حيث بلغ عدد مستخدميه أكثر من ( 1.5 ) مليار مستخدم، وبواقع يصل إلى أكثر من (60) مليار رسالة يوميا، وفي السلطنة يشير مسح استطلاع قيـاس النفـاذ واسـتخدام تقنيـة المعلومـات والاتصالات الذي نفذه المركز الوطني للإحصاءوالمعلومات في الفترة 6-17/ يناير / 2019، وشمل 1433 مـن العمانييـن، و1072 مـن الوافديـن من فئـة العمـر 18 سـنة فأكثـر من الجنسين، إلى أن تطبيق الواتس أب كان من أكثـر شـبكات التواصـل الاجتماعي انتشـارا في السلطنة، حيث حصل على(96%) ، في حين شكل هذا التطبيق لدى العمانيين ما نسبته (99%)، مما يضعه في المرتبة الأولى محليا، وهو ما يعني أن طرق موضوع القيمة المضافة التي يحققها الواتس أب على صعيد قراءة وتشخيص الحالة الوطنية والتحولات التي تعيشها عامة، والحالة التعليمية على وجه الخصوص أصبحت تشكل رقما صعبا يجب الوقوف عنده وقراءة ما يحققه من نواتج على صعيد بناء منصات أكبر للرأي الوطني وتأسيس مختبرات للرصد وإعادة هندسة البيانات والمعلومات وتكييفها لبناء مؤشرات تربوية تقف على المنجز التعليمي واقعه ومستقبله وتحدياته وممكناته وأدواته وبدائله وسياساته وبرامجه وخططه ومساراته.
وتؤدي مجموعات الواتس أب التخصصية المغلقة دورا مهما في تقديم ثراء معرفي قادر على تشخيص الحالة التعليمية الوطنية وإعادة تقييمها وانتاجها بطريقة أكثر ارتباطا بالواقع وتناغما مع احتياجاته، وأكثر تفاعلا مع ملفاته وقضاياه، خاصة أنها تضم شرائح متعددة من الاختصاصيين التعليميين، لتشمل الكادر التعليمي الحديث وذوي الخبرة من معلمين وإدارات المدارس والتربويين الآخرين بالمدارس والمديريات التعليمية أو ديوان عام الوزارات المسؤولة ع التعليم العالي والمدرسي على حد سواء، بالإضافة إلى المهتمين وذوي الاختصاص بالشأن التعليمي في قطاعات مختلفة ترفد التعليم بأفكارها وأطروحاتها النوعية، سواء كان من القطاع الخاص أم الحكومي المدني والعسكري، لذلك فإن التوقعات بقدرة هذه المجموعات على إحداث تحول في المسار التعليمي أو على الأقل إبرار الاهتمام بالقضايا التي تشكل أولوية لدى الرأي العام؛ منطلق ذو أهمية كبرى في تلمس منظومة التعليم بمؤسساتها ووحداتها من وزارات وجامعات ومؤسسات التعليم العالي وغيرها لهذه القضايا واهتمامها بها في اروقتها وجعلها محط اهتمام ونقاش ومتابعة ومراجعة في أجندة لقاءات المسؤولين في التعليم، بالشكل الذي يصنع القوة في المنجز المتحقق، ويوفر منصات عمل تتسم بالاستعداد والجاهزية في استشعار المجتمع لهذه الفرص، خاصة في ظل ما تتسم به هذه المجموعات من حرية مساحات الحوار وتعدد فرص توفير الدليل ، من خلال ما يمكن إرساله في المجموعات من مقالات وكتابات وشواهد وأدلة وصور وفيديوهات ووسائط مختلفة، إذ بدورها كفيلة بتعزيز قوة الصورة المتداولة وجودة ما تحمله من تعابير حول أي موضوع له علاقة بالشأن التعليمي، غير أن تحقق تحول نوعي في هذه المجموعات في ظل تزايد أعدادها وتوفر الشروط للمشاركة فيها، ودخولها فرص تحقق الجدية في منتجها المعرفي والفكري خاصة في ظل الميزات التفاعلية الذكية التي تتيحها التطبيقات الحديثة في الهواتف الذكية، وامتلاكها فرص اكبر للتحكم في المشاركات وعمليات الحذف والالغاء والمسح وإعادة التوجيه والارسال أو الحفظ ، كل ذلك اعطى المشرفين على هذه المجموعات فرصة اكبر لتقنين مشاركات الأعضاء وضبطها، وحسن توجيهها وإعادة برمجتها بطريقة تخدم الهدف العام منها، بالإضافة إلى طرح موضوعات ذات علاقة قوية بالواقع التعليمي، وتلمس راي المجتمع فيها عبر استطلاعات الراي والمسوحات المتزامنة مع المواسم التعليمية مثل: بداية العام الدراسي أو فترة الامتحانات، أو الفصل الدراسي الثاني أو نتائج اختبارات الطلبة في الدبلوم العام وغيرها من الموضوعات التي تستدعي استطلاع رأي الشارع التربوي والمجتمع فيهالضمان تقديم مادة ثرية منتجة.
ومع أن الحديث عن ما يمكن أن تقدمه مجموعات الواتسأب التربوية والتعليمية المغلقة من موضوعات تتسم بالعمق والشمولية والاتساع والواقعية والتشخيص للواقع الميداني، ليس غاية في حد ذاته ، بل وسيلة للوصول إلى الهدف النوعي الملموس منها على أرض الواقع؛ إذ ليس المقصود منها مجرد تداول الحوار والنقاش بين أعضاء المجموعة، فتحقق ذلك ممكنا حتى مع المجموعات الأخرى المفتوحة، من خلال مشاركات الأعضاء بأفكارهم ومرئياتهم ، ولكن الأهم في كل ذلك هو ما تخرج به هذه الحوارات والنقاشات من نواتج نوعية قادرة على أن تجد لها موقعها من التنفيذ في الواقع، وأن ترسم سيناريوهات العمل المتحققة من هذا التشخيص، فرص بديلة تساعد الجهات التعليمية المختصة في التعامل مع القضايا العالقة أو المواقف التي تستدعي رأيا مجتمعيا فيها، إذ أن غالب هذه المجموعات المغلقة تضم فئات متخصصه في التعليم وذوي الاهتمام به من المثقفين وأولياء الأمور وحملة المؤهلات العليا والقائمين على الممارسة التعليمية من المعلمين وإدارات المدارس والاكاديميين ، أو أعضاء الهيئات التدريسية والإدارية وبعض الطلبة من مؤسسات التعليم الجامعي وغيرهم، بما يمكن أن يمثله هذا التكامل في العدد من توظيف مرئياتها وأفكارها واطروحاتها في مساندة القرار التربوي والتعليمي وإعادة الهيبة والقوة فيه، وحسن توجيهه بالشكل الذي يخدم التعليم ويحقق أهدافه، هذا التناغم الحاصل في الأفكار والمراجعات واهتمام مؤسسات التعليم ووحداته ( من وزارات وجامعات ومدارس ومعاهد ومراكز تدريبية وغيرها)، من شأنه أن يعزز مسار الشراكة، ويوجه أطرها لصالح تحقيق تعليم عالي الجودة ، وبالتالي ضبط الممارسة التعليمية عبر الوقوف على الفعل بالصوت والصورة والمثال الحيوي المعبر عن الواقعوتشخيصه وتقييمه وتوفير المعالجات المناسبة للحل وسيناريوهات إنتاج للواقع.
وعلى هذا كان من الأهمية بمكان أن يتحول عمل هذه المجموعات من التقليدية إلى العمق وفق عمل محكم ومقنن، وهو ما يستدعي توفير التشريعات واللوائح والأنظمة والتعاميم وغيرها التي توجه المؤسسات التعليمية إلى الاستفادة من هذه المجموعات المغلقة المعروفة بمشرفيها وأعضائها ، وأن تتم إعادة الأفكار المطروحة على شكل تقارير تصل إلى الجهة المختصة بصورة مباشرة ومعلنه، أو عبر المؤسسات المعنية كالهيئة العامة لتقنية المعلومات، أو مركز الاتصال الحكومي التابع لمجلس الوزراء، أو عن طريق الأمانة العامة لمجلس التعليم، وأن يتحول هذا العمل من حالة استهلاكية استنزافيه لوقت أعضاء المجموعات سمتها هدر الوقت وزيادة فاقد العمليات المتكررة، إلى توظيفه في الوصول إلى سياسات واستراتيجيات وتوجهات واضحة ومكتوبة وفق مسارات للتنفيذ والتطبيق ومحكمة ومحددة زمنيا ومكانيا وموضوعيا، وهو ما يعني أن إخراجها من وضعها الحالي الحالية التي ما زالت تدور حول نفسها، ونهاية كل هذه الأفكار المطروحة مسحها بلمسة زر من قبل المستخدم أو عضو المجموعة ، لذلك نعتقد بأنه حان الوقت إلى سن التشريعات الداعمة لهذا التوجه،وجعل منصات التواصل الاجتماعي جزء من معادلة الشراكة المجتمعية الذكية التي يريدها المجتمع والتي يزيد فيها من حجم مساهمته في الثراء الفكري والتنفيذ العمل والتوجيه الأخلاقي، فيكون لهذه المرئيات والاطروحات صدى في الواقع، ومع أن نتائج هذه التقرير قد لا تكون ملزمة للجهات المعنية، إلا أنها تشكل مرجعية مؤسسية تستأنس به المؤسسة في قراراتها ومشروعاتها التطويرية وتوجهاتها، وتعيد النظر في ما اتخذته في هذا الشأنإن كان ما اتخذ من قرارات او غيرها، لا يتواكب مع هذا الطرح المقدم من المجموعة الواحدة، ويمكن زيادة مساحات الرأي حول هذه القضايا المطروحة في المجموعة عبر طرح الموضوع في مجموعات متعددة ذات علاقة بالتخصص أو لها علاقة جزئية بتخصص اخر، كالإعلام والاستثمار والسياحة والقطاع الخاصوالأمن وتقنية المعلومات والابتكار والبحث العلمي وغيرها، بحيث يمكن أن يعرض الموضوع على مجموعات أخرى لها علاقة بالملف ، لزيادة تعدد الآراء والوصول إلى إطار عمل تنفيذي مقنع وواضح وملبي للاحتياج أو معالج للقصور الحاصل في الموضوع من قبل الجهة المعنية.
وعود على بدء فقد أفصحت الأسابيع الأولى من بدء العام الدراسي وما سبقها من دوام الهيئات الإدارية والتدريسية والوظائف المساندة لها، عن رصيد تعليمي ثري من الأفكار والخبرات والتجارب والمعلومات والمناقشات والتوضيحات وتعدد وجهات النظر الذي قدمت خلالها مجموعات الواتس اب المغلقة المعنية بالتعليم والموارد البشرية والبحث العلمي وغيرها؛ الكثير من وجهات النظر والآراء والأفكار التي عززت من فرص المناقشة والحوار وصناعة البدائل ، فأصبحت هذه المجموعات في ظل عمليات التشخيص والتحليل والقراءة، تقدم نماذج عملية يمكن ان تسهم بدورها في تعزيز جودة التعليم وترسيخ قيم المسؤولية الوطنية نحوه، وأفصح عن العديد من المقالات والكتابات والتغريدات والصفحات في المنصات الالكترونية او الصحف اليومية والمجلات التي أفردت صفحات كاملة حول التعليم، وتناول الكتاب والمهتمين بالشأن التربوي والتعليمي العديد من المقالات التي تناولت النسق التعليمي من زوايا مختلفة، فالمشهد التعليمي في هذه الفترة من العام الدراسي كان اكثر تركيزه ينصب حول استعدادات المدارس للعام الدراسي، ومدى اكتمال الخطط الدراسية والتشكيلات المدرسية والانصبة والطلبة والمعلمون ، ومدى جاهزية المدارس وكفاءتها في اعمال الصيانة والاضافات أو الاحلال أو اكتمال البناء والتجهيزات والاثاث والطلبة وغيرها من القضايا الجوهرية التي باتت تتناولها مجموعات الواتس أب التخصصية بكل دقة ومهنية وعبر ما يدور فيها من نقاشات مستفيضة وحوارات طويله وتعدد وجهات النظر، سواء ما يتعلق منها بالطلبة ونظام التقويم واليات التقييم والمشاريع الطلابية وثقافة الصف الدراسي، وجودة التعليم وكفاءة المعلمين والإدارات التعليمية والكادر المدرسي والأنشطة التعليمية والمناهج الدراسية والخطة الدراسية والبرنامج اليومية وموقع الطلبة في الأداء التعليمي ومعايير الأداء وغيرها كثير، وارتبط أيضا بنقاشات مستفيضة حول السياسات التعليمية والخطط والبرامج والتوجهات التعليمية وتحليلات مستفيضة حول بعض القرارات والتعميمات الوزارية والقرارات المتعلقة بالأنصبة المعلمين والحوافز والاعباء والضغوط أو باليوم الدراسية والخطط الدراسية وحافلات نقل طلبة المدارس، وزمن التعلم، وحالة الاستهلاك اليومي للأغراض والمستلزمات المدرسية، ومواصفات الحقيبة المدرسية، وما يثار من نقاشات وحوارات وتحليلات ووجهات نظر حول البوبة التعليمية وأنظمة نقل الطلبة ومرئيات المواطنين حول بعض الخدمات التربوية والتعليمية المقدمة للمواطن أو قضايا تتعلق بالقبول الموحد وفرص الاختيار أو مجالات الابتعاث وفترة التسجيل ومواعيد سفر الطلبة والرغاية المقدمة لهم في بلد الدراسة وغيرها من القضايا التعليمية التي شغلت الرأي العام والمنتسبين للتعليم من معلمين وإداريين وعاملين في قطاعات التعليم المختلفة.
من هنا يأتي التأكيد على أهمية حضور البعد المؤسسي الفعلي في نطاق عمل هذه المجموعات وإدارة النقاش والحوار فيها، والأثر المترتب على القرارات المتخذة في المجموعات- إن وجدت – على الممارسة التعليمية – سواء على واقع الفعل المؤسسي ومنظومة القرار الرسمي التعليمي، وبالتالي قوة التأثير لهذه المجموعات المغلقة على المستوى التنفيذي وآليات العمل والخطط والبرامج والقرارات والسياسات التعليمية، ومدى حضور تقارير المجموعات في اللقاءات الوزارية بالمؤسسات والقطاعات وهياكل العمل بها، مما يعني أهمية البحث في آليات مبتكرة في التعامل مع نواتج هذا الثراء الفكري والتواصل المعرفي والتجدد فيه، بما ينقلها إلى واقع عمل المؤسسات، وجهود التنمية والتطوير فيها ، ويسهم في بناء ارضيات مساندة لما تتخذه المؤسسات من فرص لمشاركة الأعضاء في إثراء النقاشات وتعدد وجهات النظر، وبالتالي ضمان الوصول بهذه الأفكار إلى الواقع التنفيذي الذي ينعكس إيجابا على أداء المدارس أو غيرها من المؤسسات التعليمية وتوقع توفير حلول ممكنة للعديد من التحديات التي يواجهها التعليم، وترجمتها في سياسات عمل واجراءات مقننة، سواء لمعالجة بعض الاشكاليات الحاصلة أو لدعم جهود مؤسسات التعليم في التعامل مع بعض الجوانب المرتبطة باليات العمل، فهي بيئة افتراضية تؤدي دورها في نمو الخيارات وتعدد البدائل وترقية قيمة الذوق وتهذيب منطق النقاش والسماح بتعدد الآراء، وتوجيه المسار التعليمي نحو طرق أبواب الواقعية، إنها حاضنات للتجريب ونقل إلى الواقع الممارس، فإن الحلول المتوقعة الناتجة عنها سوف تعمل على إعادة هيكلة الواقع بشكل أكثر اتساعا، ويوفر حلولا تراعي خصوصية كل الفئات، وفي الوقت نفسه فإن على القائمين على إدارة أو الاشراف على هذه المجموعات امتلاك خطة عمل تستهدف تعزيز اثراء أجندتها ومحاورها بشكل اكثر رصانة وعمقا مستنيرين بالخبرات والتجارب، مستفيدين مما يطرحه الواقع الإنساني الوطني والاقليمي والدولي في الموضوع من مؤشرات أداء، وتجربة السلطنة في هذا القطاع كشاهد للإنجاز وبيئة عمل تتجه إليها خطى التطوير وترتسم نحوها منهجيات العمل. وأن الرصد الدوري لنتائجها الحوارية سوف يوفر فرص أكبر لاستراحات فكرية أخوية تتم في بيئة عمل افتراضية معززة بروح الفريق الواحد وتعدد الآراء وتسامي الأفكار فوق أي خلاف.
ومع ما أشرنا إليه سابقا، يبقى التساؤل مطروحا إلى أي مدى تمتلك المؤسسات التعليمية رؤية قراءة البعد الاستراتيجي الناتج عن هذه المجموعات ، ومحاولة توظيفها للصياغة التجديد في الممارسة التعليمية أو إعادة هندسة السلوك التعليمي وفق تعدد المعطيات وتسارع المتغيرات وتفاعل هذه التوجهات مع فلسفة الشراكة التعليمية، وان التعليم في الأساس عملية اجتماعية مشتركة تقوم على منطق الاستفادة من كل الشركاء الداخلين في المنظومة وخارجها وتوظيف الحوار التعليمي كاطار عمل لرسم ملامح التغيير القادم؛ وما احوج التعليم الوطني اليوم في ظل ما يمر به من مواقف وأحداث إلى قراءات يقدمها الرأي العام لرصد مواطن القوة والتميز التي يصنعها او جوانب الإخفاق والهدر والانحراف التي تعاني منها بعض ملفاته وطريقة التعامل مع بعض قضاياه المصيرية ، أو جدية تعاطيه مع ما يطرح من قضايا تعليمية في منصات التواصل الاجتماعي، فإن الوقت قد حان لرفع سقف التوقعات من هذه المنصات وتوظيف الفضاءات المفتوحة في سبيل بناء منظومة تعليم قادرة على رسم ملامح التغير في عالمها ، وهل سنشهد مبادرات وطنية تتبناها مؤسسات الدولة المعنية في توجيه القيمة المضافة للواتس أب في إعادة قراءة الواقع وتشخيص منتج للمنجز التعليمي؟
د. رجب العويسي
#عاشق_عمان